روى العلاّمة الطبرسی فی کتابه الاحتجاج بسنده عن عبد الله بن الحسن [ هو عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علی بن طالب ( علیه السلام ) ] باسناده عن آبائه ( علیهم السلام ) : انه لما أجمع [ أی أحکم النیة و العزیمة ] أبو بکر و عمر على منع فاطمة ( علیها السلام ) فدکا ، و بلغها ذلک لاثت [ أی لفته ] خمارها [ الخِمار : المقنعة ، سمیت بذلک لان الرأس یخمر بها أی یغطى ] على رأسها ، و اشتملت [ الاشتمال الشیء جعله شاملا و محیطا لنفسه ]، بجلبابها [ الجلباب : الرداء والازار ] ، و اقبلت فی لمة ، [ أی جماعة و فی بعض النسخ فی لمیمة بصیغة التصغیر أی فی جماعة قلیلة ] من حفدتها [ الحَفَدَة : الاعوان و الخدم ] و نساء قومها ، تطأ ذیولها [ أی ان اثوابها کانت طویلة ، تستر قدمیها ، فکانت تطأها عند المشی ] ، ما تخرم مشیتها مشیة رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) ، [ الخُرم : البرک ، النقص ، و العدول ]، حتى دخلت على أبی بکر ، و هو فی حشد [ أی جماعة ] من المهاجرین و الانصار و غیرهم ، فنیطت [ أی علقت ] دونها ملاءة [ الملاءة الازار ] ، فجلست ثم أنت انة اجهش [ اجهش القوم : تهیئوا ] القوم لها بالبکاء ، فارتج المجلس ، ثم امهلت هنیئة حتى اذا سکن نشیج القوم ، و هدأت فورتهم ، افتتحت الکلام بحمد الله و الثناء علیه و الصلاة على رسوله ، فعاد القوم فی بکائهم ، فلما امسکوا عادت فی کلامها ، فقالت ( علیها السلام ) :
( الحمد لله على ما انعم ، و له الشکر على ما الهم ، و الثناء بما قدم ، من عموم نعم ابتداها ، و سبوغ آلاء أسداها ، و تمام منن اولاها ، جم عن الاحصاء عددها ، و نأى عن الجزاء امدها ، و تفاوت عن الادراک ابدها ، و ندبهم لاستزادتها بالشکر لاتصالها ، و استحمد إلى الخلائق باجزالها ، و ثنى بالندب إلى امثالها ، و اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شریک له ، کلمة جعل الاخلاص بأولها ، و ضمن القلوب موصلها ، و أنار فی التفکر معقولها ، الممتنع من الابصار رؤیته ، و من الالسن صفته ، و من الاوهام کیفیته ، ابتدع الاشیاء لا من شیء کان قبلها ، و انشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها کونها بقدرته ، و ذرأها بمشیته ، من غیر حاجة منه إلى تکوینها ، و لا فائدة له فی تصویرها ، الا تثبیتا لحکمته ، و تنبیها على طاعته ، و اظهارا لقدرته ، تعبدا لبریته ، اعزازا لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، و وضع العقاب على معصیته ، زیادة لعباده من نقمته ، و حیاشة [ حاش الابل : جمعها وساقها ] لهم إلى جنته ، و اشهد ان أبی محمدا عبده و رسوله ، اختاره قبل ان ارسله ، و سماه قبل ان اجتباه ، و اصطفاه قبل ان ابتعثه ، اذ الخلائق بالغیب مکنونة ، و بستر الاهاویل مصونة ، و بنهایة العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بما یلی الامور ، و احاطة بحوادث الدهور ، و معرفة بموقع الامور ، ابتعثه الله اتماما لامره ، و عزیمة على امضاء حکمه ، و انفاذا لمقادیر حتمه ، فرأى الامم فرقا فی ادیانها ، عکفا على نیرانها ، عابدة لاوثانها ، منکرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبی محمد ( صلى الله علیه وآله ) ظلمها ، و کشف عن القلوب بهمها [ أی مبهماتها ، و هی المشکلات من الامور ] ، و جلى عن الابصار غممها [ الغمم : جمع غمة وهی : المبهم الملتبس و فی بعض النسخ ( عماها ) ] ، و قام فی الناس بالهدایة ، فانقذهم من الغوایة ، و بصرهم من العمایة ، و هداهم إلى الدین القویم ، و دعاهم إلى الطریق المستقیم .
ثمّ قبضه الله الیه قبض رأفة و اختیار ، و رغبة و ایثار ، فمحمد ( صلى الله علیه وآله ) من تعب هذه الدار فی راحة ، قد حف بالملائکة الابرار ، و رضوان الرب الغفار ، و مجاورة الملک الجبار ، صلى الله على أبی نبیه ، و أمینه ، و خیرته من الخلق و صفیه ، و السلام علیه و رحمة الله وبرکاته ) .
ثمّ التفتت إلى أهل المجلس ، و قالت : ( انتم عباد الله بصب امره و نهیه ، وحملة دینه و وحیه ، وامناء الله على انفسکم ، و بلغائه إلى الامم ، زعیم حق له فیکم ، و عهد قدمه الیکم ، و بقیة استخلفها علیکم : کتاب الله الناطق ، و القرآن الصادق ، و النور الساطع ، و الضیاء اللامع ، بینة بصائره ، منکشفة سرائره ، منجلیة ظواهره ، مغتبطة به اشیاعه ، قائدا إلى الرضوان اتباعه ، مؤد النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنورة ، و عزائمه المفسرة ، و محارمه المحذرة ، و بیناته الجالیة ، و براهینه الکافیة ، و فضائله المندوبة ، و رخصه الموهوبة ، و شرائعه المکتوبة .
فجعل الله الایمان ، تطهیرا لکم من الشرک ، والصلاة : تنزیها لکم عن الکبر ، و الزکاة ، تزکیة للنفس ، و نماء فی الرزق ، والصیام ، تثبیتا للاخلاص ، و الحج ، تشییدا للدین ، و العدل ، تنسیقا للقلوب ، و طاعتنا ، نظاما للملة ، و امامتنا ، امانا للفرقة ، و الجهاد ، عزا للاسلام ، و الصبر ، معونة على استیجاب الاجر ، والامر بالمعروف ، مصلحة للعامة ، و بر الوالدین ، وقایة من السخط ، و صلة الارحام ، منساه [ أی مؤخرة ] فی العمر و منماة للعدد ، و القصاص ، حقنا للدماء ، و الوفاء بالنذر ، تعریضا للمغفرة ، و توفیة المکائیل و الموازین ، تغییرا للبخس ، و النهی عن شرب الخمر ، تنزیها عن الرجس ، و اجتناب القذف، حجابا عن اللعنة ، و ترک السرقة ، ایجابا بالعفة ، و حرم الله الشرک ، اخلاصا له بالربوبیة ، فاتقوا الله حق تقاته ، و لا تموتن الا و أنتم مسلمون ، و اطیعوا الله فیما أمرکم به و نهاکم عنه ، فانه انما یخشى الله من عباده العلماء ) .
ثمّ قالت : ( أیها الناس اعلموا ، انی فاطمة ، و أبی محمد ( صلى الله علیه وآله ) اقول عودا وبدوا ، و لا اقول ما اقول غلظا ، و لا افعل ما افعل شططا [ الشَطَط : هو البعد عن الحق و مجاوزة الحد فی کل شیء ] لقد جاؤکم رسول من انفسکم عزیز علیه ما عنتم [ عنتم : انکرتم و جحدتم ] حریص علیکم بالمؤمنین روؤف رحیم .
فان تعزوه و تعرفوه ، تجدوه أبی دون نسائکم ، و اخا ابن عمی دون رجالکم ، و لنعم المعزى الیه ( صلى الله علیه وآله ) ، فبلّغ الرسالة ، صادعا [ الصدع هو الاظهار ] بالنِذارة [ الانذار : و هو الاعلام على وجه التخویف ] مائلا عن مدرجة [ هی المذهب و المسلک ] المشرکین ، ضاربا ثبجهم [ الثَبَج : وسط الشیء و معظمه ] آخذا باکظامهم [ الکَظَم : مخرج النفس من الحلق ] داعیا إلى سبیل ربه بالحکمة و الموعظة الحسنة ، یجف الاصنام [ فی بعض النسخ ( یکسر الاصنام ) و فی بعضها ( یجذ ) أی یکسر ] و ینکث الهام ، حتى انهزم الجمع و ولوا الدبر ، حتى تفرى اللیل عن صبحه [ أی انشق حتى ظهر وجه الصباح ] و اسفر الحق عن محضه ، و نطق زعیم الدین ، و خرست شقاشق الشیاطین [ الشقاشق : جمع شِقشقة و هی : شیء کالربة یخرجها البعیر من فیه اذا هاج ] و طاح [ أی هلک ] و شظ [ الوشیظ : السفلة و الرذل من الناس ] النفاق ، و انحلت عقد الکفر وا لشقاق ، وفهتم بکلمة الاخلاص [ أی کلمة التوحید ] فی نفر من البیض الخماص [ المراد بهم اهل البیت علیهم السلام ] ، و کنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب [ أی شربته ] و نُهزة [ أی الفرصة ] الطامع ، و قبسة العجلان [ مثل فی الاستعجال ] و موطئ الاقدام [ مثل مشهور فی المغلوبیة والمذلة ] تشربون الطَرق [ ماء السماء الذی تبول به الابل وتبعر ] و تقتاتون القِدّ [ سیر بقد من جلد غیر مدبوغ ] اذلة خاسئین ، تخافون أن یتخطفکم الناس من حولکم ، فانقذکم الله تبارک و تعالى بمحمد ( صلى الله علیه وآله ) ، بعد اللتیا و التی ، و بعد أن منی ببهم الرجال [ أی شجعانهم ] و ذؤبان العرب ، و مردة اهل الکتاب ، کلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله ، ان نجم [ أی ظهر ] قرى الشیطان [ أی امته وتابعوه ] او فغرت فاغرة من المشرکین [ أی الطائفة منهم ] ، قذف أخاه فی لهَوَاتها [ اللهوات ، و هی اللحمة فی اقصى شفة الفم ] ، فلا ینکفیء [ أی یرجع ] ، حتى یطأ جناحها باخمصه [ الاخمص مالا یصیب الارض من باطن القدم ] ، و یخمد لهبها بسیفه ، مکدودا فی ذات الله ، مجتهدا فی أمر الله ، قریبا من رسول الله ، سیدا فی أولیاء الله ، مشمرا ناصحا ، مجدا ، کادحا ، لا تأخذه فی الله لومة لائم ، و انتم فی رفاهیة من العیش ، و ادعون [ أی ساکنون ] ، فاکهون [ أی ناعمون ] آمنون ، تتربصون بنا الدوائر [ أی صروف الزمان أی کنتم تنظرون نزول البلایا علینا ] و تتوکفون الاخبار [ أی تتوقعون اخبار المصائب والفتن النازلة بنا ] ، و تنکصون عند النزال ، و تفرون من القتال ، فلما اختار الله لنبیه دار أنبیائه ، و مأوى اصفیائه ، ظهر فیکم حسکة النفاق [ فی بعض النسخ ( حسکیة ) و حسکة النفاق عداوته ] و سمل [ أی صار خلقا ] جلباب الدین [ الجلباب الازار ] و نطق الغاوین ، و نبغ خامل [ أی من خفى ذکره وکان ساقطا لانباهة له ] الاقلین ، و هدر [ الهدیر : تردید البعیر صوته فی حنجرته ] فنیق [ الفحل المکرم من الابل الذی لا یرکب و لا یهان ] المبطلین ، فخطر [ خطر البعیر بذنبه اذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذیه ] فی عرصاتکم ، و اطلع الشیطان رأسه من مغرزه [ أی مایخفى فیه تشبیها له بالقنفذ ، فانه یطلع رأسه بعد زوال الخوف ] هاتفا بکم [ أی حملکم على الغضب فوجدکم مغضبین لغضبه ] فألفاکم لدعوته مستجیبین ، و للعزة فیه ملاحظین ، ثم استنهضکم فوجدکم خفافا ، و احشمکم فألفا غضابا ، فوسمتم [ الوسم اثر الکی ] غیر ابلکم و وردتم [ الورود : حضور الماء للشرب ] غیر مشربکم ، هذا و العهد قریب و الکُلم [ أی الجرح ] رُحیب [ أی السعة ] و الجرح لما یندمل [ أی لم یصلح بعد ] و الرسول لما یقبر ، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ، ألا فی الفتنة سقطوا ، و ان جهنم لمحیطة بالکافرین ، فهیهات منکم ، و کیف بکم ، و انى تؤفکون ، و کتاب الله بین اظهرکم ، اموره ظاهرة ، و احکامه زاهرة ، و اعلامه باهرة ، و زواجره لایحة ، و أوامره واضحة ، و قد خلفتموه وراء ظهورکم ، أرغبة عنه تریدون ؟ ، ام بغیره تحکمون ؟ ، بئس للظالمین بدلا ، و من یبتغ غیر الاسلام دینا فلن یقبل منه و هو فی الاخرة من الخاسرین .
ثم لم تلبثوا الا ریث ، أن تسکن نفرتها [ نفرت الدابة جزعت وتباعدت ] و یسلس [ أی یسهل ] قیادها ، ثم اخذتم تورون و قدتها [ أی لهبها ] وتهیجون جمرتها ، و تستجیبون لهتاف الشیطان الغوی ، و اطفاء انوار الدین الجلی ، و اهمال سنن النبی الصفی ، تشربون حسوا [ الحسو : هو الشرب شیئا فشیئا ] فی ارتغاء [ الارتغاء : هو شرب الرغوة ، و هی اللبن المشوب بالماء ، و حسوا فی ارتغاء : مثل یضرب لمن یظهر ، و یرید غیره ] ، و تمشون لاهله و ولده فی الخَمرة [ الخمر : ماواراک من شجر و غیره ] ، و الضَراء [ أی الشجر الملتف بالوادی ] و یصیر منکم على مثل حز [ أی القطع ] المدى ، و وخز السنان فی الحشاء ، و انتم الان تزعمون ، أن لا إرث لنا ، افحکم الجاهلیة تبغون و من احسن من الله حکما لقوم یوقنون ؟ ، أفلا تعلمون ؟ ، بلى قد تجلى لکم کالشمس الضاحیة : أنی ابنته .
ایها المسلمون أغلب على ارثی ؟، یابن أبی قحافة أفی کتاب الله ترث أباک ، و لا ارث أبی ؟ ، لقد جئت شیئا فریا ! ، أفعلى عمد ترکتم کتاب الله ، و نبذتموه وراء ظهورکم ؟ ، اذ یقول : ( وورث سلیمان داود ) ، [ النمل : 16 ] ، و قال فیما اقتص من خبر یحیى بن زکریا اذ قال : ( فهب لی من لدنک ولیا ، یرثنی و یرث من آل یعقوب ) ، [ مریم : 6 ] ، و قال : ( و اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض فی کتاب الله ) ، [ الانفال : 75 ] ، و قال : ( یوصیکم الله فی اولادکم للذکر مثل حظ الانثیین ) ، [ النساء : 11 ] ، و قال : ( إن ترک خیرا الوصیة للوالدین و الاقربین بالمعروف حقا على المتقین ) ، [ البقرة :180 ] ، و زعمتم : ان لا حظوة [ أی المکانة ] لی و لا ارث من أبی ، و لا رحم بیننا ، افخصکم الله بآیة اخرج أبی منها ؟ ، ام هل تقولون : أن اهل ملتین لا یتوارثان ؟ ، أو لست انا و أبی من اهل ملة واحدة ؟ ، أم انتم أعلم بخصوص القرآن من أبی و ابن عمی ؟ ، فدونکها مخطومة [ من الخِطام، و هو : کل مایدخل فی انف البعیر لیقاد به ] ، مرحولة [ الرَحل : هو للناقة کالسراج للفرس ] تلقاک یوم حشرک ، فنعم الحکم و الزعیم محمد ، و الموعد القیامة ، و عند الساعة یخسر المبطلون ، و لا ینفعکم اذ تندمون ، و لکل نبأ مستقر ، و سوف تعلمون من یأتیه عذاب یخزیه ، و یحل علیه عذاب مقیم ) .
ثمّ رمت بطرفها نحو الانصار فقالت : ( یامعشر النقیبة [ أی الفتیة ] و اعضاد الملة و حضنة الاسلام ، ماهذه الغَمیزَة [ أی ضعفة فی العمل ] فی حقی و السِنة [ النوم الخفیف ] عن ظلامتی ؟ ، أما کان رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) أبی یقول : ( المرء یحفظ فی ولده ) ؟ ، سرعان ما أحدثتم ، و عجلان ذا إهالة [ أی الدسم ] و لکم طاقة بما احاول ، و قوة على ما اطلب و أزاول ، أتقولون مات محمد ( صلى الله علیه وآله ) ؟ فخطب جلیل ، استوسع وهنه [ وهنة الوهن : الخرق ] ، و استنهر [ أی اتسع ] فتقه و انفتق رتقه ، و اظلمت الارض لغیبته ، و کسف الشمس و القمر ، و انتثرت النجوم لمصیبته ، و اکدت [ أی قل خیرها ] الآمال ، و خشعت الجبال ، و أضیع الحریم ، و أزیلت الحرمة عند مماته ، فتلک و الله النازلة الکبرى ، و المصیبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، و لا بائقة [ أی داهیة ] عاجلة ، اعلن بها کتاب الله جل ثناؤه ، فی افنیتکم ، و فی ممساکم ، و مصبحکم ، یهتف فی افنیتکم هنافا ، و صراخا ، و تلاوة ، و الحانا ، و لقبله ما حل بأنبیاء الله و رسله ، حکم فصل ، و قضاء حتم : ( و ما محمد الا رسول ، قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابکم ، و من ینقلب على عقبیه ، فلن یضر الله شیئا ، و سیجزی الله الشاکرین ) ، [ آل عمران : 144 ] .
( أیّها بنی قیلة [ قبیلتا الانصار : الاوس و الخزرج ] أهضم تراث أبی ؟ ، و انتم بمرئ منی و مسمع ، و منتدى [ أی المجلس ] و مجمع ، تلبسکم الدعوة ، و تشملکم الخبرة ، و انتم ذوو العد و العدة ، و الاداة و القوة ، و عندکم السلاح و الجُنة [ ما استترت به من السلاح ] توافیکم الدعوة فلا تجیبون ، و تأتیکم الصرخة فلا تغیثون ، و انتم موصوفون بالکفاح ، معروفون بالخیر و الصلاح ، و النخبة التی انتخبت ، و الخیرة التی اختیرت لنا اهل البیت ، قاتلتم العرب ، و تحملتم الکد و التعب ، و ناطحتم الامم ، و کافحتم البهم ، لا نبرح [ أی لا نزال ] او تبرحون ، نأمرکم فتأتمرون ، حتى اذا دارت بنا رحى الاسلام ، و در حلب الایام ، و خضعت ثغرة الشرک ، و سکنت فورة الافک ، و خمدت نیران الکفر ، و هدأت دعوة الهرج ، و استوسق [ أی اجتمع ] نظام الدین ، فأنى حزتم بعد البیان ؟ ، و اسررتم بعد الاعلان ؟ ، و نکصتم بعد الاقدام ؟، و اشرکتم بعد الایمان ؟ ، بؤسا لقوم نکثوا ایمانهم من بعد عهدهم ، وهموا باخراج الرسول ، و هم بدؤکم اول مرة ، اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ، ان کنتم مؤمنین .
ألا و قد أرى أن قد اخلدتم [ أی ملتم ] إلى الخفض [ أی السعة والخصب واللین ] ، و ابعدتم من هو احق بالبسط و القبض ، و خلوتم بالدعة [ الدعة : الراحة و السکون ] ، و نجوتم بالضیق من السعة ، فمججتم ماوعیتم ، و دسغتم [ الدسغ : الفیء ] الذی تسوغتم [ تسوغ الشراب شربه بسهولة ] ، فان تکفروا انتم و من فی الارض جمیعا ، فان الله لغنی حمید .
ألا و قد قلت ما قلت هذا على معرفة منی بالجذلة [ الجذلة : ترک النصر ] التی خامرتکم [ أی خالطتکم ] و الغدرة ، التی استشعرتها قلوبکم ، ولکنها فیضة النفس ، و نفثة الغیظ ، و خور [ أی الضعف ] القناة [ أی الرمح ، و المراد من ضعف القناة هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة ] و بثة الصدر ، و تقدمة الحجة ، فدونکموها فاحتقبوها [ أی احملوها على ظهورکم و دبر البعیر اصابته الدَبَرَة ، و هی جراحة تحدث من الرحل ] دبرة الظهر ، نقبة [ نقب خف البعیر رق و تثقب ] الخف ، باقیة العار ، موسومة بغضب الجبار ، و شنار الابد ، موصولة بنار الله الموقدة ، التی تطلع على الافئدة ، فبعین الله ما تفعلون ، و سیعلم الذین ظلموا أی مقلب ینقلبون ، و أنا ابنة نذیر لکم بین یدی عذاب شدید ، فاعلموا أنا عاملون ، و انتظر أنا منتظرون ) .
فاجابها أبو بکر عبد الله بن عثمان ، و قال : یا بنت رسول الله ، لقد کان ابوک بالمؤمنین عطوفا کریما ، روؤفا رحیما ، و على الکافرین عذابا الیما ، و عقابا عظیما ، ان عزوناه وجدناه اباک دون النساء ، و اخا إلفک دون الاخلاء [ الالف : هو الالیف بمعنى المألوف و المراد به هنا الزوج لانه إلف الزوجة ، و فی بعض النسخ : ابن عمک ] آثر على کل حمیم ، و ساعده فی کل امر جسیم ، لا یحبکم الا سعید ، و لا یبغضکم الا شقی بعید ، فأنتم عترة رسول الله ، و الطیبون الخیرة المنتجبون ، على الخیر ادلتنا ، إلى الجنة مسالکنا ، و أنت یا خیرة النساء ، و أبنة خیر الانبیاء ، صادقة فی قولک ، سابقة فی وفور عقلک ، غیر مردودة عن حقک ، و لا مصدودة عن صدقک ، و الله ماعدوت رأی رسول الله ، و لا عملت الا بإذنه ، و الرائد لا یکذب أهله ، و انی اشهد الله وکفى به شهیدا ، أنی سمعت رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) یقول : ( نحن معاشر الانبیاء ، لا نورث ذهبا و لا فضة ، و لا دارا ولا عقار ، و إنما نورث الکتاب و الحکمة ، والعلم و النبوة ، و ما کان لنا من طعمة ، فلولی الامر بعدنا ، ان یحکم فیه بحکمه ) ، و قد جعلنا ماحولته فی الکراع و السلاح ، یقاتل بها المسلمون ، و یجاهدون الکفار ، و یجالدون المردة الفجار ، و ذلک باجماع من المسلمین ، لم انفرد به وحدی ، و لم استبد بما کان الرأی عندی ، و هذه حالی و مالی ، هی لک و بین یدیک ، لاتزوى عنک ، و لا ندخر دونک ، و انک وانت سیدة امة أبیک ، و الشجرة الطیبة لبنیک ، لا ندفع مالک من فضلک ، و لا یوضع فی فرعک و اصلک ، حکمک نافذ فیما ملکت یدای ، فهل ترین ان اخالف فی ذلک أباک ( صلى الله علیه و آله ) ؟
فقالت ( علیها السلام ) : ( سبحان الله ما کان أبی رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) عن کتاب الله صادفا [ أی معرضا ] ، ولا لاحکامه مخالفا ! ، بل کان یتبع اثره ، و یقفو سوره ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا علیه بالزور ، و هذا بعد وفاته شبیه بما بغى له من الغوائل [ أی المهالک ] فی حیاته ، هذا کتاب الله حکما عدلا ، و ناطقا فصلا ، یقول : ( یرثنی و یرث من آل یعقوب ) ، [ مریم : 6 ] ، و یقول : ( و ورث سلیمان داود ) ، [ النمل : 16 ] ،و بین عزوجل فیما وزع من الاقساط ، و شرع من الفرائض و المیراث ، و اباح من حظ الذکران و الاناث ، ما ازاح به علة المبطلین ، و أزال التظنی و الشبهات فی الغابرین ، کلا بل سولت لکم انفسکم أمرا ، فصبر جمیل ، و الله المستعان على ما تصفون ) .
فقال ابو بکر : صدق الله و رسوله ، و صدقت ابنته ، أنت معدن الحکمة ، و موطن الهدى و الرحمة ، و رکن الدین ، و عین الحجة ، لا ابعد صوابک ، و لا انکر خطابک ، هؤلاء المسلمون بینی و بینک ، قلدونی ما تقلدت ، و باتفاق منهم أخذت ما أخذت ، غیر مکابر و لا مستبد ، و لا مستأثر ، و هم بذلک شهود .
فالتفتت فاطمة ( علیها السلام ) إلى الناس ، و قالت : ( معاشر المسلمین المسرعة إلى قیل الباطل [ فی بعض النسخ : قبول الباطل ] المغضیة على الفعل القبیح الخاسر ، افلا تتدبرون القرآن ؟ ، أم على قلوب أقفالها ؟ ، کلا بل ران على قلوبکم ما اسأتم من اعمالکم ، فأخذ بسمعکم و ابصارکم ، ولبئس ما تأولتم ، و ساء ما به أشرتم ، و شر ما منه اغتصبتم ، لتجدن و الله محمله ثقیلا ، و غبه وبیلا ، اذا کشف لکم الغطاء ، و بان باورائه الضراء ، و بدا لکم من ربکم ما لم تکونوا تحتسبون ، و خسر هنالک المبطلون ) .
ثمّ عطفت على قبر النبی ( صلى الله علیه وآله ) ، و قالت :
قد کان بعدک انباء وهنبثة |
لو کنت شاهدها لم تکثر الخطب |
انا فقدناک فقد الارض وابلها |
واختل قومک فاشهدهم ولا تغب |
وکل اهل له قربى ومنزلة |
عند الاله على الادنین مقترب |
ابدت رجال لنا نجوى صدورهم |
لما مضیت وحالت دونک الترب |
تجهمتنا رحال واستخف بنا |
لما فقدت وکل الارض مغتصب |
وکنت بدرا و نورا یستضاء به |
علیک ینزل من ذی العزة الکتب |
وکان جبریل بالآیات یؤنسنا |
فقد فقدت وکل الخیر محتجب |
فلیت قبلک کان الموت صادفنا |
لما مضیت وحالت دونک الکثب |
ثمّ انکفئت ( علیها السلام ) ، و أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) یتوقع رجوعها الیه ، و یتطلع طلوعها علیه ، فلما استقرت بها الدار ، قالت : لأمیر المؤمنین ( علیه السلام ) : ( یابن أبی طالب ، اشتملت شملة الجنین ، و قعدت حجرة الظنین ، نقضت قادمة ، [ قوادم الطیر : مقادم ریشه وهی عشرة ] الاجدل [ أی الصقر ] فخانک ریش الاعزل [ العزل من الطیر : ما لا یقدر على الطیران ] ، هذا ابن ابی قحافة یبتزنی [ أی یسلبنی ] نحلة أبی وبغلة [ البغلة ما یتبلغ به من العیش ] ابنی ! لقد اجهد [ فی بعض النسخ : اجهر ] فی خصامی ، و الفیته [ أی وجدته ] الد [ الالد : شدید الخصومة ] فی کلامی ، حتى حبستنی قیلة نصرها و المهاجرة وصلها ، و غضت الجماعة دونی طرفها ، فلا دافع و لا مانع ، خرجت کاظمة ، و عدت راغمة ، اضرعت [ ضرع : خضع وذل ] خدک یوم اضعت حدک إفترست الذئاب ، و افترشت التراب ، ما کففت قائلا ، و لا اغنیت طائلا [ أی ما فعلت شیئا نافعا ، وفی بعض النسخ : و لا اغیت باطلا : أی کففته ] و لا خیار لی ، لیتنی مت قبل هنیئتی ، و دون ذلتی عذیری [ العذیر بمعنى العاذر أی : الله قابل عذری ] الله منه عادیا [ أی متجاوزا ] و منک حامیا ، و یلای فی کل شارق ! ویلای فی کل غارب ! مات العمد ، و وهن [ الوهن : الضعف فی العمل او الامر او البدن ] العضد ، شکوای إلى أبی ! وعدوای [ العدوى : طلبک إلى وال لینتقم لک من عدوک ] إلى ربی ! اللهم انک اشد منهم قوة و حولا ، و اشد بأسا و تنکیلا ) .
فقال أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) : ( لا ویل لک بل الویل لشانئک [ الشانیء : المبغض ] ، ثم نهنهی عن وجدک [ أی کفی عن حزنک و خففی من غضبک ] یاابنة الصفوة ، و بقیة النبوة ، فما ونیت [ أی ماکللت ولا ضعفت ولا عییت ] عن دینی ، و لا اخطأت مقدوری [ أی ما ترکت ما دخل تحت قدرتی أی لست قادرا على الانتصاف لک لما اوصانی به الرسول ] ، فان کنت تریدین البلغة ، فرزقک مضمون ، و کفیلک مأمون ، و ما اعد لک اضل مما قطع عنک ، فاحتسبی الله ) .
فقالت : ( حسبی الله ) ، و امسکت .