قال
الرسول الأکرم محمد ( صلى الله علیه وآله ) لابنته فاطمة ( علیها السلام ) : ( یَا بُنَیَّة ، مَن صَلَّى عَلیکِ غَفرَ اللهُ لَهُ ، وَ أَلحَقَه بِی حَیثُ کُنتُ مِنَ الجَنَّة ) .
و قال ( صلى الله علیه وآله ) أیضاً : ( فَاطِمة بضعَةٌ مِنِّی ، یُؤذینی مَا آذَاهَا ، وَ یُریِبُنی مَا رَابَهَا ) ، إلى غیر ذلک من الأحادیث .
فإذا کانت فاطمة الزهراء ( علیها السلام ) تحتل هذه الدرجة من المقام الرفیع عند الله ، فمن لا یحب شرف الاقتران بها ، و إعلان رغبته فی التزوج بها من أکابر قریش .
فإنه قد تقدم لخطبتها من أبیها ( صلى الله علیه وآله ) أبو بکر ، و عُمَر ، و آخرون ، و کل یخطبها لنفسه ، إلا أن الرسول ( صلى الله علیه وآله ) ، یعتذر عن الاستجابة لطلبهم ، و یقول ( صلى الله علیه وآله ) : لَم یَنزِل القَضَاءُ بَعْد .
و قد روى
السید الأمین فی المجالس السَنیَّة ما مُلَخَّصُهُ : جاء علی ( علیه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) ، و هو فی منزل أم سَلَمة ، فَسلَّم علیه ، و جلس بین یدیه ، فقال له النبی ( صلى الله علیه و آله ) : ( أتیت لحاجة ) ؟
فقال ( علیه السلام ) : ( نعم ، أتیتُ خاطباً ابنتکَ فاطمة ( علیها السلام ) ، فَهل أنتَ مُزَوِّجُنِی ) ؟
قالت أم سلمة : فرأیت وجه النبی ( صلى الله علیه وآله ) یَتَهَلَّلُ فرحاً و سروراً ، ثم ابتسم فی وجه علی ( علیه السلام ) ، و دخل على فاطمة ( علیها السلام ) ، و قال لها : ( إن علیاً قد ذکر عن أمرک شیئاً ، و إنی سألت رَبِّی ، أن یزوجکِ خیر خلقه فما ترین ؟ ) ، فَسَکَتَتْ ( علیها السلام ) .
فخرج رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) ، و هو یقول : ( اللهُ أَکبر ، سُکوتُها إِقرَارُها ) .
فعندها أمر رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) أَنَس بن مالک أن یجمع الصحابة ، لِیُعلِن علیهم نبأ تزویج فاطمة لعلی ( علیهما السلام ) .
فلما اجتمعوا قال ( صلى الله علیه وآله ) لهم : ( إن الله تعالى أمرنی ، أن أُزَوِّج فاطمة بنت
خدیجة ، من علی بن أبی طالب ) .
ثم أبلغ النبی ( صلى الله علیه وآله ) علیاً بأن الله أمره ، أن یزوجه فاطمة على أربعمائة مثقال فضة ، و کان ذلک فی الیوم الأول من شهر ذی الحجة من السنة الثانیة للهجرة .
إن هذا الموقف النبوی المرتبط بالمشیئة الإلهیة ، یَستَثِیر أَمَامنا سؤالاً مهماُ ، و هو : لماذا لم یُرَخَّصُ لفاطمة ( علیها السلام ) بتزویج نفسها ؟
و لماذا لم یُرَخَّص للرسول ( صلى الله علیه وآله ) ، و هو أبوها و نَبِیُّها بتزویجها – و النبی ( صلى الله علیه وآله ) أولى بالمؤمنین من أنفسهم – إلا بعد أن نزل القضاء بذلک ؟
و جوابه : أنه لا بُدَّ من وجود سِرٍّ و حکمة إلهیة ، ترتبط بهذا الزواج ، و تتوقف على هذه العلاقة الإنسانیة ، أی علاقة فاطمة ( علیها السلام ) بنت رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) بابن عمّه و أخیه علی بن أبی طالب ( علیه السلام ) ، الذی کان کما یُسمِّیه رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) بـ( نَفْسِه ) .
و هو الذی تربَّى فی بیت رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) ، و عاش معه ، و شَبَّ فی ظلال الوحی ، وَ نَمَا فی مدرسة النبوة .
و هکذا شاء الله أن تمتد ذریة رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) عن طریق علی و فاطمة ( علیهما السلام ) ، و یکون منهما
الحسن و الحسین ( علیهما السلام ) ، سیدا شباب أهل الجنة أئمةً ، و هُدَاة لِهَذه الأمّة .
و لهذا کان زواج فاطمة ( علیها السلام ) أمراً إلهیاً ، لم یسبق رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) إلیه ، و لم یتصرَّف حتى نزل القضاء – کما صرح هو نفسه ( صلى الله علیه وآله ) بذلک – .