فی البدء یستوقفنا استفهام بسیط جداً وهام جداً فی الوقت نفسه: هل یمکن لطفل رضیع له من العمر ساعات أن یدرک معادلات: الجبر والمقابلة، ومباحث المیکانیکا الحراریة؟
وهل یمکن لقروی بسیط أن یفهم أبعاد النظریة النسبیة، والبعد الرابع، وسر تجمد الزمن فی الحفر السوداء فی أعماق الفضاء؟
وهل یمکن لطالب فی المدرسة الابتدائیة أن یسبر أغوار شبهة (ابن کمونة) (افتخار الشیاطین) وحقیقة (برهان الصدیقین) ومباحث تشکیکیة الوجود قوسی النزول والصعود؟
إذا أمکن ذلک، أمکن لنا أن نتفهم سراً من ألف سر من نواحی عظمة الحوراء الإنسیة (فاطمة الزهراء) سیدة نساء العالمین (علیها صلوات المصطفین)، قال رسول الله (صلى الله علیه وآله): (إنما سمیت ابنتی فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها).وهل للمحدود أن یحیط باللامحدود؟
وهل للجزء الضئیل الضیئل أن یستوعب الکل والمطلق؟وهل لملعقة فنجان أن تهضم میاه محیطات الأرض؟
کلا... وألف کلا ولذلک قال رسول الله (صلى الله علیه وآله) مخاطباً فاطمة: ما عرفک إلا الله وأنا.لقد عجز الإنسان رغم کل التقدم العلمی المبهر عن أن یعرف حقیقة الجن والملائکة والشیاطین... وسائر الحقائق الغیبیة المیتافیزیقیة، ولقد عجز أیضاً عن معرفة ما لا یحصى من لحقائق الطبیعیة حتى تلک التی یعایشها فی حیاته الیومیة.ولقد عجز - وسیبقى عاجزاً - عن إدراک حقیقة (النفس) وکنه الروح) ما قال الرب جل وعلا: (ویسألونک عن الروح قل الروح من أمر ربی وما أوتیتم من العلم إلا قلیلاً).وفاطمة الزهراء هی (روح الروح) و جوهر الحقیقة) أولیست هی التی قال فیها الرسول الأعظم (صلى الله علیه وآله): (فاطمة روحی التی بین جنبی)؟
وهو الذی ال یه الوحی الإلهی (وما ینطق عن الهوى إن هو إلا وحی یوحى) ومع کل ذلک قد ینکر (سجین الکهف والغار) ضیاء الشمس ولکن: ل یضر باهرة الحسن والجمال أن (یتحفظ) فی جمالها (الأعمى) أو (عدیم الذوق) وهل یضیر المجرة أن تتضاحک علیها الذرة؟ وهل ضیر أزهار الربیع النضرة أن تسخر منها الحشائش والطفیلیات؟
وهل یضیر عمالقة البشریة على مر التاریخ - موسى وعیسى محمد (علیهم السلام) - أن یجهل عظمتهم محدودوا الأفق وضیقوا الفکر؟ وهل یضیر فاطمة الزهراء (وهی أم أبیها (صلى الله علیه آله)) ومحور الکون وقطب رحى أصحاب الکساء (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها) (فی نص خطاب إله الکون) أن ینکر فضلها من قد نکر؟
القرآن الکریم هو کتاب الله الصامت وأهل البیت (علیهم السلام) هم کتاب الله الناطق وکما أن للقرآن ظهراً وبطناً فهم بطناً إلى سبعین بطناً، وکما أن القرآن الکریم (ظاهره أنیق وباطنه عمیق) وکما له لب ولب اللب وکما یتضمن رموزاً وإشارات وکما قد یعبر رمز قرآنی - مهما بدى لدى النظرة السطحیة بسیطاً - عن بحار من المعرفة وآفاق شاسعة لا متناهیة عن الحقائق و(الرقائق) و(الدقائق).وإذا توهم الجاهل بنظرة، بنظرة ساذجة إلى ظاهر القرآن الکریم، إنه امتلک المقدرة على مجاراة کتاب الله، فإنه لا فضح لا جهله، کذلک تماماً السیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام) أو لم تکن (محطة أسرار) رسول رب العالمین؟
أولیست هی التی قال نها الإمام العسکری (علیه السلام): (نحن حجج الله على خلقه، وجدتنا فاطمة حجة الله علینا)؟
کفاکن - یا نساء الأرض - فخراً شموخاً أن تکون منکن امرأة کـ (الزهراء)... شمس عقول البشریة والنور المتألق على عرش الرب منذ بدء الخلق، وذروة المجد لشامخ فی أعلى قمم السجایا الإنسانیة والفضائل الروحانیة...وحسب المرأة عزاً وشرفاً ومجداً وعظمة أن تقتبس شعاعاً من نور لسیدة فاطمة الزهراء (علیها السلام)، لقد کانت (صلوات الله علیها) کـ (زوجة) نموذجیة وکـ (أم) مثالیة وکـ (امرأة) القمة فی العفة الحیاء والطهر والنقاء وکانت - فی مکارم الأخلاق - (المثل الأعلى) للبشریة على مرّ التاریخ، بل حتى لمستوطنی عالم الکون ی: لزهد، والإیثار، وحسن الخلق، وفی التهجد والتضرع والعبادة وغیر ذلک وکانت تنام وزوجها (علیه السلام) على جلد کبش لأکثر من مس سنوات، وکانت تطحن الشعیر بیدیها حتى جرى الدم منهما، وکانت تقوم على رجلیها فی محراب العبادة حتى لقد ورمت جلاها من کثر، الوقوف وکانت ذلک البحر المواج من علوم الرسالة وکانت ذلک الشلال المتدفق والنهر الجاری من العطاء - فی واجهة الطغاة - والطود الراسخ، قمةً فی الشجاعة، أنموذجاً لا یضاهی فی الصبر والإباء والتضحیة والفداء، وکانت الجلمود الذی حطمت علیه فؤوس رؤوس الفتن والضلال، وکانت (الملجأ) الذی یرکن إلیه طلاب الحقیقة ورواد المعرفة، والفقراء والمساکین المستضعفین، وحتى رسول رب العالمین... کانت (الکهف الحصین) للأمة فی مواجهة أعاصیر الفتن المدویة فی لیل الاستبداد و صرخة الحق).ولو أن (الأنثى) فی خطى الزهراء لأذهلت إبلیس وجنوده ولصعقت شیاطین الرجال ولتربعت على قمة المجد الخلود... لو إنها اقتدت بـ (فاطمة) لتحولت الأرض إلى (فردوس)... إلى جنة غنّاء: وارفة الضلال، شهیة الثمار...ولخیّمت (السعادة) على ربوع الأرض، ولعاد الربیع والأزهار والورد والیاسمین، بأریجها الزاکی، وعطرها الفوّاح.
العلامة السید مرتضى الشیرازی