الذی یقوى فی النظر أنّ السرّ المذکور هو المیزة الفریدة التی أودعها الله عزّ وجل فی نشأة سیدة نساء العالمین الزهراء البتول (علیها السلام) وهی کونها الحلقة الوسیطة بین النبوة والإمامة ، فبما أنّها بضعة النبی (صلى الله علیه وآله وسلّم) تکویناً وبتصریح الرسول (صلى الله علیه وآله وسلّم) ـ کما ورد فی روایات کثیرة ـ تحمل فی وجودها أسرار النبّوة وممیزاتها .
ومن جانب آخر أصبحت هی (علیها السلام) تحتضن الإمامة بما أنّها کانت بجانب أمیر المؤمنین (علیه السلام) تربّی ولدیها الإمامین الحسن و الحسین (علیهما السلام)، فهی أصبحت تعتبر أمّاً للأئمة المعصومین (علیهم السلام) .
وبالجملة، فهی بنت الرسول (صلى الله علیه وآله وسلّم) وزوجة الإمام علی (علیه السلام) وأم الأئمة (علیهم السلام) ، وهذه صفة لا نظیر لها فی الخلق.
وبهذا الاعتبار لا یبعد التوسّل والتمسّک بهذا السرّ المخزون فی ذاتها فی التقرّب إلى الله تبارک وتعالى . والعلم عند الله .
أما حقیقة السر المستودع، فیظهر لنا من خلال عدة احتمالات نحتملها فی کونها هی مفاد السر المستودع ، ولا نقصد من أن ظهور هذه الاحتمالات یکون بالقطع الیقینی ، کلا فان الامر أعلى وأجل من أن یظهره قلم أو یخطر على ذهن کاتب أو عالم وانما الامر یتجاوز المقام ، فان من الأسرار التی یمتلکها أهل البیت (علیهم السلام) مالم یخطر على بال بشر.
أما هذه الاحتمالات فلها شواهد ولها قرائن تدل علیها:
1ـ السر المستودع، هو المهدی (عجل الله تعالى فرجه الشریف) فهو الذی سوف یظهر الله الدین کله على یدیه فی آخر الزمان لکون انها (علیها السلام) جدته.
وقد یرد على هذه الاحتمال بانه إذا کان المهدی (عجل الله فرجه الشریف) سرا من الأسرار المستودعة فی فاطمة فی ذلک الزمان ولم یعرف ولم یظهر لاحدنا، فان هذا القول الآن یصبح منتفیا ، لکون مسألة الإمام المهدی والوعد الإلهی فیه أصبحت من المتسالمات عند أکثر المسلمین ، هذا من جهة وکون الدعاء یقول : ( اللهم بفاطمة وأبیها وبعلها وبنیها 000) ولفظة بنیها تشمل کل أبناء الزهراء والمعصومین ، والدعاء فی ختامه یقول : ( والسر المستودع ) فانه لا معنى ان یتوسل المؤمن بالسر المستودع الذی یکون المهدی ( عجل الله فرجه) وفی نفس الوقت یتوسل ببنیها الذی هو منهم ومشترک معهم، وربما یجاب انه من باب ذکر الخاص بعد العام لیفید الحصر أو الاختصاص.
2ـ وقد یکون السر المستودع اشارة الى أن ولایة الله تعالى سوف تکون فی ولد فاطمة وأن الأئمة المعصومین (علیهم السلام) منها.
وهذا الاحتمال یرد علیه بکون الدعاء یقول : ( بفاطمة... وبنیها والسر المستودع ) فیکون تکراراً للقسم بالأئمة الذین هم بنوها وکذلک بالسر المستودع الذی هو الأئمة.
3ـ السر المستودع، هو أمرهم کما فی (بصائر الدرجات) عن الصادق علیه السلام: (ان أمرنا سر مستتر وسر لا یفیده الا سر وسر على سر وسر مقنع بسر)، فالزهراء (علیها السلام) بما انها أم الأئمة وهی حجة الله علیهم وانها مفروضة الطاعة على جمیع البشر کما ورد ذلک فی الأحادیث المأثورة تکون الأسرار التی مودعة فیها معروفة عند الأئمة، وهم یحافظون علیها وقائمون بمقتضاها، أو تعلقاتها أو تبلیغ دواعیها، ومحافظون على هذه الأسرار ولا یظهرونها لأحد الا من کان محتملاً لعلمهم وأسرارهم.
4ـ السر المستودع، هو العلوم الربانیة المودعه فی فاطمة (علیها السلام) حیث کانت المحدثة من قبل الملائکة، وکان لها مصحف یتوارثه الأئمة (سلام الله علیها وعلیهم)، وعلیه نحتمل أن یکون المصحف هو السر المودع فی فاطمة.
5ـ قد یکون السر، هو ما أشارت إلیه الروایة المرویة فی شأن الحدیث القدسی المروی عن لسان جابر الأنصاری عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) عن الله تبارک وتعالى انه قال: (یا احمد لولاک لما خلقت الأفلاک، ولولا علی لما خلقتک، ولولا فاطمة لما خلقتکما)، أی انه العلة الغائیة لخلقکما کما یظهر من الحدیث القدسی هو وجود فاطمة (علیها السلام).
6ـ السر المستودع، هو اسم الله الأعظم. (انظر الأسرار الفاطمیة لمحمد فاضل المسعودی من ص 25 إلى 63).
وقد قدم عادل العلوی لذلک الکتاب مقدمة ذکر فیها : فالزهراء (علیها السلام) یعنی رسول الله وأمیر المؤمنین فهی مظهر النبوة والولایة وهی مجمع النورین: النور المحمدی والنور العلوی، وکما ورد فی تمثیل نور الله فی سورة النور وآیته " اللَّه نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نوره کَمشْکَاة "[النور :35] بأنه کالمشکاة، وورد فی تفسیرها وتأویلها ان المشکاة فاطمة (علیها السلام) وفی هذه المشکاة نور رسول الله وأمیر المؤمنین ...
فالنبوة والإمامة فی وجودها النوری، وهذا من معانی السر المستودع فیها فهی تحمل أسرار النبوة والإمامة .
وذکر فی الهامش: ان من معانی السر المستودع سیدنا محسن الشهید بقرینة وبنیها... فکان المراد من البنین الحسن والحسین لولادتهما وظهورهما فی الدعاء والسر المستودع سیدنا المحسن الشهید (علیه السلام).